كتاب فصل الخطاب في الرد على أبي تراب

لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} (¬1). وكما قيل: وما لجرح بميت إيلام. وأما ابن رجب فقال في كتابه [نزهة الأسماع في مسألة السماع]: الحدث الثاني: سماع القصائد الرقيقة المتضمنة للزهد والتخويف والتشويق، فكان كثير من أهل السلوك والعبادة يستمعون ذلك، وربما أنشدوها بنوع من الألحان؛ استجلاباً لترقيق القلوب بها، ثم صار منهم من يضرب مع إنشادها على جلد ونحوه بقضيب ونحوه، وكانوا يسمون ذلك التغبير، وصح عن الشافعي من رواية الحسن بن عبد العزيز الجروي، ويونس بن عبد الأعلى أنه قال: تركت بالعراق شيئاً يسمونه: التغبير، وضعته الزنادقة، يصدون به الناس عن القرآن.
قلت: وذكر شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى عن يزيد بن هارون أنه قال: ما يغبر إلا فاسق، ومتى كان التغبير؟!. وتقدم قول الإمام رحمه الله تعالى: أنه بدعة محدث، فقيل له: إنه يرقق القلب، فقال: هو بدعة. قال ابن رجب: ومن أصحابنا من حكى عنه رواية أخرى في الرخصة في سماع القصائد المجردة، وهي اختيار أبي بكر الخلال، وصاحبه أبي بكر عبد العزيز، وجماعة من التميميين، وهؤلاء يحكى عنهم الرخصة أيضاً، وإنما أرادوا سماع هذه القصائد الزهدية المرققة، لم يرخصوا في أكثر من ذلك، وذكروا أن الإمام أحمد سمع في منزل ابنه صالح من وراء الباب منشداً ينشد أبياتاً من هذه الزهديات: ولم ينكر ذلك، لكن لم يكن مع إنشادها تغبير، ولا ضرب
¬__________
(¬1) سورة الحجر، الآية 72.

الصفحة 155