كتاب فصل الخطاب في الرد على أبي تراب

إباحة هذا السماع وتحليله: فليعلم أن الدف والشبابة والغناء إذا اجتمعت فاستماع ذلك حرام عند أئمة المذاهب وغيرهم من علماء المسلمين، ولم يثبت عن أحد ممن يعتد بقوله في الإجماع والاختلاف أنه أباح هذا السماع. والخلاف المنقول عن بعض أصحاب الشافعي إنما نقل في الشبابة منفردة والدف ومنفرداً، فمن لا يحصل أو لا يتأمل ربما اعتقد خلافاً بين الشافعيين في هذا السماع الجامع هذه الملاهي وذلك وهم بين من الصائر إليه تنادي عليه أدلة الشرع والعقل مع أنه ليس كل خلاف يستروح إليه ويعتمد عليه، ومن تتبع ما اختلف فيه العلماء وأخذ بالرخص من أقاويلهم تزندق أو كاد. قال: وقولهم في السماع المذكور: أنه من القربات والطاعات، قول مخالف لإجماع المسلمين، ومن خالف إجماعهم فعليه ما في قوله: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} (¬1). قال ابن القيم رحمه الله تعالى. وأطال الكلام في الرد على هاتين الطائفتين اللتين بلاء الإسلام منهم: المحللون لما حرم الله، والمتقربون إلى الله بما يباعدهم عنه. والشافعي وقدماء أصحابه والعارفون بمذهبه من أغلظ الناس قولاً في ذلك، وقد تواتر عن الشافعي أنه قال: خلفت ببغداد شيئاً أحدثته الزنادقة يسمونه: التغبير، يصدون به الناس عن القرآن، فإذا كان هذا قوله في التغبير، وتعليله: أنه يصد عن القرآن، وهو شعر يزهد في الدنيا
¬__________
(¬1) سورة النساء، الآية 115.

الصفحة 160