فاستحسن ما كان قبل السماع يستقبحه وأبدى من سره ما كان يكتمه، وانتقل من الوقار والسكينة إلى كثرة الكلام والكذب والزهزهة والفرقعة بالأصابع، فيميل برأسه، ويهز منكبيه، ويضرب الأرض برجليه، ويدق على أم رأسه بيديه، ويصفق بيديه تصفيق النسوان. . . إلى أن قال: وقال بعض العارفين: السماع يورث النفاق في قوم، والعناد في قوم، والكذب في قوم، والفجور في قوم، والرعونة في قوم. وأكثر ما يورث عشق الصور واستحسان الفواحش. وإدمانه يثقل القرآن على القلب، ويكرهه إلى سماعه بالخاصية. وإن لم يكن هذا نفاقاً فما للنفاق حقيقة؟! وسر المسألة أنه قرآن الشيطان فلا يجتمع هو وقرآن الرحمن في قلب أبداً. وأيضاً فإن أساس النفاق أن يخالف الظاهر الباطن، وصاحب الغناء بين أمرين: إما أن يتهتك فيكون فاجراً. أو يظهر النسك فيكون منافقاً، فإنه يظهر الرغبة في الله والدار الآخرة وقلبه يغلي بالشهوات ومحبة ما يكرهه الله ورسوله من أصوات المعازف وآلات اللهو، وما يدعو إليه الغناء ويهيجه، فقلبه بذلك معمور وهو من محبة ما يحبه الله ورسوله وكراهة ما يكرهه قفر، وهذا محض النفاق. وأيضاً فإن الإيمان قول وعمل: قول بالحق، وعمل بالطاعة، وهذا ينبت على الذكر وتلاوة القرآن. والنفاق قول الباطل وعمل البغي، وهذا ينبت على الغناء. وأيضاً فمن علامات النفاق: قلة ذكر الله، والكسل عند القيام إلى الصلاة، ونقر الصلاة. وقل أن تجد مفتوناً بالغناء إلا وهذا وصفه. وأيضاً فإن النفاق مؤسس على الكذب. والغناء من أكذب الشعر، فإنه يحسن القبيح ويزينه ويأمر به، ويقبح الحسن ويزهد فيه، وذلك عين