كتاب فصل الخطاب في الرد على أبي تراب

النفاق. وأيضاً فإن النفاق غش ومكر وخداع، والغناء مؤسس على ذلك. وأيضاً فإن المنافق يفسد من حيث يظن أنه يصلح، كما أخبر الله سبحانه بذلك عن المنافقين، وصاحب السماع يفسد قلبه وحاله من حيث يظن أنه يصلحه. والمغني يدعو القلوب إلى فتنة الشهوات، والمنافق يدعوها إلى فتنة الشبهات. . . إلى أن قال: فالغناء يفسد القلب، وإذا فسد القلب هاج فيه النفاق.
وبالجملة: فإذا تأمل البصير حال أهل الغناء وحال أهل الذكر والقرآن تبين له حذق الصحابة ومعرفتهم بأدواء القلوب وأدويتها وبالله التوفيق. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
ومن أعظم مضار الغناء وأكبر مفاسده: أن محبته تطرد محبة القرآن من القلب؛ لأن الغناء وحي الشيطان وقرآنه فلا تجتمع محبته ومحبة وحي الرحمن وكلامه في قلب عبد أبداً. وقد تقدم قول ابن القيم رحمه الله تعالى أنه ما اجتمع في قلب عبد قط محبة الغناء ومحبة القرآن إلا وطردت إحداهما الأخرى. وقال رحمه الله تعالى في الكافية الشافية:
حب الكتاب وحب ألحان الغنا ... في قلب عبد ليس يجتمعان
ثقل الكتاب عليهم لما رأوا ... تقييده بشرائع الإيمان
واللهو خف عليهم لما رأوا ... ما فيه من طرب ومن ألحان
قوت النفوس وإنما القرآن قو ... ت القلب أنى يستوى القوتان
ولذا تراه حظ ذي النقصان كالجهال والصبيان والنسوان
وألذهم فيه أقلهم من العقل ... الصحيح فسل أخا العرفان
يا لذة الفساق لست كلذة ... الأبرار في عقل ولا قرآن

الصفحة 185