كتاب فصل الخطاب في الرد على أبي تراب

وقد صح عن الشافعي رحمه الله تعالى من رواية الحسن بن عبد العزيز الجروي ويونس بن الأعلى أنه قال: تركت بالعراق شيئاً يسمونه: التغبير، وضعته الزنادقة يصدون به الناس عن القرآن، قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى: ما ذكره الإمام الشافعي أنه من إحداث الزنادقة من كلام إمام خبير بأصول الإسلام، فإن هذا السماع لم يرغب فيه ويدع إليه في الأصل إلا من هو متهم بالزندقة؛ كابن الراوندي، والفارابي، وابن سينا وأمثالهم، كما ذكر أبو عبد الرحمن السلمي في مسألة السماع عن ابن الراوندي أنه قال: اختلف الفقهاء في السماع فأباحه قوم وكرهه قوم، وأنا أوجبه، أو قال آمر به، فخالف إجماع العلماء في الأمر به. وأبو نصر الفارابي كان بارعاً في الغناء الذي يسمونه: الموسيقى، وله فيه طريقة معروفة عند أهل صناعة الغناء، وحكايته مع ابن حمدان مشهورة لما ضرب فأبكاهم ثم أضحكهم ثم نومهم ثم خرج. وابن سينا ذكر في إشاراته من الترغيب فيه وفي عشق الصور ما يناسب طريقة أسلافه الصابئين المشركين الذين كانوا يعبدون الكواكب والأصنام كأرسطو وشيعته من اليونان. انتهى.
وقال ابن رجب رحمه الله تعالى: قوله: إن الزنادقة وضعت التغبير تصد به الناس عن القرآن يدل على أن الإصرار على سماع الشعر الملحن مع الضرب بقضيب ونحوه يقتضي شغف النفوس بذلك وتعلقها به ونفرتها عن سماع القرآن وعن استجلاب ثمرات القرآن وفوائده وإصلاح القلوب به، وهذا ظاهر بين، فإن من كان وجده من

الصفحة 186