سماع الأبيات لا يكاد يجد رقة ولا حلاوة عند سماع الآيات، فإذا كان هذا حال من أدمن سماع الأبيات الزهدية بالتلحين فكيف يكون حال من أدمن سماع أشعار الغزل المتضمن لوصف الخمور والقدود والخدود والثغور والشعور مع ذكر الهوى، ولواعج الأشواق والمحبة والغرام والاشتياق، وذكر الهجر والوصال والتجني والصدود والدلال، وكان هذا كله مع آلات الملاهي المطربة المزعجة للنفوس المثير للوجد، المحركة للهوى؟! لا سيما إن كان المغني ممن تميل النفوس إلى صورته وصوته ووجد السماع حلاوته وذوقه، وطرب قلبه في ذلك، فإن هذا كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: ينبت النفاق في القلب، ولا يكاد يبقى معه من الإيمان إلا القليل، وصاحبه في غاية من البعد عن الله، والانحجاب عنه. . . إلى أن قال: واعلم أن سماع الأغاني يضاد سماع القرآن من كل وجه، فإن القرآن كلام الله ووحيه ونوره الذي أحيا الله به القلوب الميتة، وأخرج العباد به من الظلمات إلى النور. والأغاني وآلاتها مزامير الشيطان، فإن الشيطان قرآنه الشعر، ومؤذنه المزمار، ومصائده النساء، كذا قال قتادة وغيره من السلف. والقرآن يذكر فيه أسماء الله وصفاته وأفعاله وقدرته وعظمته وكبرياؤه وجلاله ووعده ووعيده. والأغاني إنما يذكر فيها صفات الخمر والصور المحرمة الجميل ظاهرها المستقذر باطنها. ويذكر فيها الوصل والهجر والصدود والتجني. . . إلى أن قال: فهذا السماع المحظور يسكر النفوس كما تسكر الخمر أو أشد، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة كالخمر والميسر. انتهى.