كتاب فصل الخطاب في الرد على أبي تراب

عن التفكر في عظمة الله سبحانه والقيام بخدمته. والثاني: أنه يميله إلى اللذات العاجلة، ويدعو إلى استيفائها من جميع الشهوات الحسية ومعظمها النكاح، وليس تمام لذته إلا في المتجددات، ولا سبيل إلى كثرة المتجددات من الحل؛ فلذلك يحث على الزنا. فبين الغناء والزنا تناسب من جهة أن الغناء لذة الروح، والزنا أكبر لذات النفس؛ ولهذا جاء في الحديث: «الغناء رقية الزنا». وقد ذكر أبو جعفر الطبري: أن الذي اتخذ الملاهي رجل من ولد قابيل يقال له: ثوبال اتخذ في زمان مهلائيل بن قينان آلات اللهو من المزامير والطبول والعيدان، فانهمك ولد قابيل في اللهو، وتناهى خبرهم إلى من بالجبل من نسل شيت، فنزل منهم قوم وفشت الفاحشة وشرب الخمر.
قلت: وقد روى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه ذكر عن أهل الجاهلية الأولى أن إبليس صنع مزماراً فانتابه الناس يستمعون إليه، وصار ذلك سبباً لتبرج النساء للرجال وظهور الفاحشة فيهم. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ومن الأمر المعلوم عند القوم أن المرأة إذا استعصت على الرجل اجتهد أن يسمعها صوت الغناء فحينئذ تعطي الليان؛ وهذا لأن المرأة سريعة الانفعال للأصوات جداً، فإذا كان الصوت بالغناء صار انفعالها من وجهين: من جهة الصوت، ومن جهة معناه؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأنجشة حادية: «يا أنجشة، رويدك، رفقاً بالقوارير» يعني: النساء. قلت: هذا الحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما من طرق عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم حادٍ يقال له: أنجشة، وكان حسن الصوت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «رويدك

الصفحة 190