كتاب فصل الخطاب في الرد على أبي تراب

والجواب عن هذا من وجوه:
أحدها: أن يقال: حديث عبد الرحمن بن غنم صحيح ثابت متصل الإسناد لا مطعن فيه بوجه من الوجوه؛ ولهذا أورده البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه محتجاً به، ولو كان منقطعاً لما فعل ذلك. وقد رد الحفاظ النقاد على ابن حزم ما زعمه من انقطاعه، وقد تقدم ذكر أقوالهم في ذلك، وبيان اتصال الحديث من عدة طرق في أول الكتاب، فليراجع.
الوجه الثاني: أن ابن حزم ذكر في بعض كتبه: أن قول العدل الراوي إذا روى عمن أدركه من العدول فهو على اللقاء والسماع، سواء قال: أنبأنا أو حدثنا، أو عن فلان، أو قال فلان، فكل ذلك منه محمول على السماع، وفي هذه القاعدة التي قررها ابن حزم حكم منه باتصال رواية البخاري؛ لأنه قد لقي هشام بن عمار وسمع منه. وقد نقض ابن حزم ما قرره في هذه القاعدة؛ نصرةً لمذهبه الباطل في استحلال الغناء والمعازف، فزعم أن رواية البخاري منقطعة، وهذا خطأ منه، وزعم باطل مردود. والعبرة بالقاعدة التي قررها لا بتناقضه.
الوجه الثالث: أن من أعظم الخطأ قول ابن حزم: ولا يصح في هذا الباب شيء، وكل ما فيه فموضوع. وهذه زلة عظيمة افتتن بها كثير من ضعفاء البصيرة. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من عدة أوجه أنه كان يتخوف على أمته من زلات العلماء. فمن ذلك ما رواه الطبراني في [الكبير] عن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أخاف على أمتي ثلاثاً» وذكر منها: «زلة العالم». ومنها: ما رواه الطبراني أيضاً في معجمه الصغير عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني

الصفحة 308