وأموراً شنيعة، نشأت من غلظه وجموده على تلك الظواهر، ومن ثم قال المحققون: إنه لا يقام له وزن، ولا ينظر لكلامه، ولا يعول على خلافه، فإنه ليس مراعياً للأدلة، بل لما رآه هواه وغلب عليه من عدم تحريه وتقواه. انتهى.
الوجه الخامس: أن بيع الإماء المغنيات وابتياعهن ليس محرماً على الإطلاق، كما قد تبادر ذلك إلى فهم ابن حزم، وإنما هو خاص بما إذا كان المقصود بهن الغناء؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان. ولأن منفعة الغناء منفعة محرمة فلا تقابل بعوض. وأما إذا كان المقصود بهن الاستمتاع أو الخدمة فهن كغيرهن من الإماء يجوز بيعهن وابتياعهن، ولكن لا يبعن على أنهن مغنيات، وإنما يبعن على أنهن ساذجات. والساذجة: هي التي لا تحسن الغناء. وقد نص الإمام أحمد رحمه الله تعالى على هذا، فإنه سئل عن رجل مات وترك ولداً وجارية مغنية فاحتاج الصبي إلى بيعها، فقال: لا تباع على أنها مغنية، فقيل له: إنها تساوي ثلاثين ألف درهم، ولعلها إذا بيعت ساذجة تساوي عشرين ديناراً، فقال: لا تباع إلا على أنها ساذجة. وقال الحسن ابن عبد العزيز الجروي: أوصى إلي رجل بوصية وفيها ثلث، وكان فيما خلف جارية تقرأ بالألحان، وكانت أكثر تركته أو عامتها، فسألت أحمد بن حنبل والحارث بن مسكين وأبا عبيد: كيف أبيعها؟ قالوا: بعها ساذجة، فأخبرتهم بما في بيعها من النقصان، فقالوا: بعها ساذجة. وإنما أمر أحمد رحمه الله تعالى ببيع الأمة المغنية ساذجة؛ لأن الغناء محرم فلا تقابل منفعته بعوضٍ كما قدمنا. ولو كان الغناء مباحا لما جاز