كتاب فصل الخطاب في الرد على أبي تراب

سبيل الله تعالى هزواً. ولو أن امرءاً اشترى مصحفاً ليضل به عن سبيل الله ويتخذها هزواً لكان كافراً، فهذا هو الذي ذم الله تعالى، وما ذم قط عز وجل من اشترى لهو الحديث ليلتهي به ويروح نفسه لا ليضل عن سبيل الله تعالى، فبطل تعلقهم بقول كل من ذكرنا. وكذلك من اشتغل عامداً عن الصلاة بقراءة القرآن أو بقراءة السنن أو بحديث يتحدث به أو بنظر في ماله أو بغناء أو بغير ذلك، فهو فاسق عاصٍ لله تعالى. ومن لم يضيع شيئاً من الفرائض اشتغالاً بما ذكرنا فهو محسن.
والجواب عن هذا من وجوه:
أحدها: أن يقال: قد ثبت عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما أنهما فسرا {لَهْوَ الْحَدِيثِ} بـ: الغناء. وفسره ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً بالغناء وشراء المغنية. فإن قلنا: إن تفسير الصحابي ليس بحجة - كما قد قرره ابن حزم ههنا - فلا ريب أنه أولى بالقبول من تفسير من بعدهم، فضلاً عن تخرصات المتخرصين وآراء المتبعين لأهوائهم، كابن حزم وأضرابه، فإنهم عدلوا عن تفسير الصحابة والتابعين إلى مجرد آرائهم، وحملوا الآية الكريمة على ما تهواه أنفسهم من استحلال الغناء والمعازف. وإن قلنا: إن تفسير الصحابي حجة إذا لم يخالفه غيره من الصحابة - كما هو الصحيح من قولي العلماء - فلا ريب أنه لا ينبغي العدول عن قول ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية الكريمة؛ لأنه لا مخالف لهما من الصحابة، فيكون قولهما في ذلك حجة. وقد قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في التفسير من كتاب [المستدرك]: ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير

الصفحة 313