الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند. وقال في موضع آخر من كتابه: هو عندنا في حكم المرفوع. قلت: ويؤيد هذا ما رواه ابن جرير بإسناد صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن. وهذا يدل على أنهم كانوا يتلقون التفسير من النبي صلى الله عليه وسلم، وما لم يتلقوه عنه صلى الله عليه وسلم فهو مما فهموه من لغتهم، فإنهم كانوا أعلم ممن بعدهم بلغة العرب.
الوجه الثاني: أن قول ابن عباس رضي الله عنهما في تحريم الدف والمعازف والمزمار والكوبة موافق لما في الأحاديث الصحيحة عن عبد الرحمن بن غنم وأنس وجابر وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم، وقد تقدمت أحاديثهم في أول الكتاب، وهي حجة على المخالفين.
الوجه الثالث: أن قول إبراهيم في الغناء: أنه ينبت النفاق في القلب موافق لما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه، كما تقدم ذكر ذلك في أقوال الصحابة رضي الله عنهم. وقول ابن مسعود رضي الله عنه في هذا حجة على القول الصحيح؛ لأنه لا مخالف له من الصحابة. وأما قول إبراهيم: كان أصحابنا يأخذون بأفواه السكك يخرقون الدفوف، فالمراد بهم أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه كما تقدم بيان ذلك في أقوال التابعين. وإنما كانوا يخرقون الدفوف؛ امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده»، والدفوف من جملة المنكرات فينبغي إتلافها؛ عملاً بهذا الحديث.