كتاب فصل الخطاب في الرد على أبي تراب

يأتي ما يدل على خصوصه. والغناء والشرك من ذلك. وقوله: {لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} يقول: ليصد ذلك الذي يشتري من لهو الحديث عن دين الله وطاعته وما يقرب إليه من قراءة قرآن وذكر الله، ثم روى عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: {سَبِيلِ اللَّهِ} قراءة القرآن وذكر الله، قال: وهو رجل من قريش اشترى جارية مغنية. انتهى. إذا علم هذا فأهل الغناء ومستمعوه لهم نصيب من الذم والوعيد بحسب اشتغالهم بالغناء والمعازف عن ذكر الله تعالى وطاعته. وقد يبلغ بعضهم إلى درجة الكفر، ولا سيما إذا استهزأ بالقرآن أو بشيء من دين الإسلام، كما قد يقع ذلك من بعض السفهاء. وأقل الأحوال أن يكون المفتون بالغناء عاصياً يستحق من الذم والوعيد بحسب حاله، والله أعلم.
الوجه الثامن: أن ابن حزم زعم أن الله عز وجل ما ذم قط من اشترى لهو الحديث ليلتهي به ويروح نفسه، وهذا من القول على الله بغير علم.
يوضح ذلك: الوجه التاسع: وهو أن أئمة التفسير من الصحابة والتابعين قد قالوا بخلاف ما قاله ابن حزم، وهم أتقى لله وأعلم بكتابه من ابن حزم، فقد ثبت عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما أنهما فسرا {لَهْوَ الْحَدِيثِ} بـ: الغناء، وهو قول جابر ومجاهد وعكرمة والحسين وسعيد بن جبير وقتادة وإبراهيم النخعي ومكحول وحبيب بن أبي ثابت وعمرو بن شعيب وعلي بن بذيمة. والآية على تفسير هؤلاء تقتضي أبلغ الذم لمن اشترى لهو الحديث ليلتهي به ويروح نفسه. وإذا تعارض تفسير هؤلاء وقول ابن حزم فلا ريب أنه ينبغي اطراح قول ابن حزم وعدم الاعتداد به. ومما يدل على ذم الغناء أيضاً قول الله تعالى

الصفحة 316