الأحاديث رد لما زعمه ابن حزم من أن الله عز وجل ما ذم قط من اشترى لهو الحديث ليلتهي به ويروح نفسه.
الوجه الحادي عشر: أن ابن حزم قد سوى في كلامه بين قراءة القرآن والسنن وبين الغناء والنظر في المال، وما يتحدث الناس به من الأحاديث، فجعل الاشتغال بهذه الأمور كلها من باب الإحسان لمن لم يضيع بسببها شيئاً من الفرائض. وهذا خطأ ظاهر وجمع بين ما فرق الله بينه، فإن قراءة القرآن وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى. ومن اشتغل بقراءتهما ولم يضيع شيئاً من الفرائض فهو محسن. وأما الغناء فحرام على الإطلاق ومعصية على كل حال وفي كل وقت؛ لأنه صوت أحمق فاجر ملعون في الدنيا والآخرة. وإذا ألهى عن شيء من الفرائض كان أشد لتحريمه، وأعظم لجرم صاحبه. وليس في الغناء إحسان بوجه من الوجوه. وأي إحسان فيما هو مسخطة للرب تبارك وتعالى، ومرضاة للشيطان الرجيم. ومن سوى بينه وبين قراءة القرآن والسنن فقد ضل ضلالاً بعيداً. وأما أحاديث الناس فلا خير في كثير منها، كما قال الله تعالى: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ} (¬1). وروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه والبخاري في [التاريخ الكبير]، والحاكم في مستدركه، والبيهقي في [شعب الإيمان] عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل كلام ابن آدم عليه، لا له، إلا أمراً
¬__________
(¬1) سورة النساء، الآية 114.