كتاب فصل الخطاب في الرد على أبي تراب

بمعروف، أو نهياً عن منكر، أو ذكراً لله عز وجل»، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. ويستفاد من هذا الحديث والآية قبله: أن الإحسان في أحاديث الناس إنما يكون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذكر الله تعالى. ومن الأمر بالمعروف الأمر بالصدقة، والإصلاح بين الناس، وما سوى ذلك من أحاديث الناس فليس فيها إحسان ولو لم تشغل عن شيء من الفرائض. وأما النظر في المال فهو من الأمور الجائزة إذا لم يشتغل به عن شيء من الفرائض. وليس كل من نظر في ماله ولم يشتغل به عن شيء من الفرائض يكون محسناً، وإنما يكون محسناً من اتقى فيه ربه ووصل منه رَحِمَه. والله أعلم.
الوجه الثاني عشر: أن ابن حزم لم يقتصر على استحلال الغناء والمعازف، بل زاد به التهور في اتباع الهوى إلى أن جعل المفتونين بالغناء من أهل الإحسان إذا لم يضيعوا شيئاً من الفرائض، وهذا من قلب الحقائق؛ لأن المفتونين بالغناء قد استحلوا ما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من الصوت الأحمق الفاجر الملعون في الدنيا والآخرة، وتعرضوا لما يفسد القلوب وينبت النفاق فيها، ويدعو إلى سخط الرب تبارك وتعالى وأليم عقابه في الدنيا والآخرة. ومن كان هكذا فهو من أهل الإساءة لا من أهل الإحسان. والله أعلم.
الوجه الثالث عشر: أن من مزالق أبي تراب قوله: ومن الآثار التي موهوا بها في الآية. . . إلى آخره. وهذا الكلام خطأ محض، وفيه سوء أدب مع الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء أهل السنة. وفيه أيضاً قلب للحقيقة. فأما سوء أدبه مع الصحابة والتابعين ففي زعمه أن

الصفحة 319