كتاب فصل الخطاب في الرد على أبي تراب

فصل

• قال ابن حزم: واحتجوا فقالوا: من الحق الغناء أم من غير الحق؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث، فقالوا: وقد قال الله عز وجل: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} (¬1).
فجوابنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى»، فمن نوى باستماع الغناء عوناً على معصية الله تعالى فهو فاسق، وكذلك كل شيء غير الغناء. ومن نوى به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن، وفعله هذا من الحق، ومن لم ينوِ طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه؛ كخروج الإنسان إلى بستانه متنزهاً، وقعوده على باب داره متفرجاً، وصباغه ثوبه لازوردياً أو أخضراً أو غير ذلك، ومد ساقه وقبضها وسائر أفعاله، فبطل كل ما شغبوا به بطلاناً متيقناً. وما نعلم لهم شبهة غير ما ذكرنا.
والجواب عن هذا من وجوه:
أحدها: أن يقال: إن الذين احتجوا على كون الغناء من غير الحق هم المصيبون.
والدليل على ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل، إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنهن من الحق» رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث عقبة بن عامر
¬__________
(¬1) سورة يونس، الآية 32.

الصفحة 321