كتاب فصل الخطاب في الرد على أبي تراب

استماع الغناء والمعازف، فزعم أن من نوى بذلك ترويح نفسه وتنشيطها على البر فهو مطيع محسن وفعله هذا من الحق. وهذا الكلام يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قصر في البيان لأمته. وفيه أيضاً معارضة ما نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم من تخصيص الأربعة المذكورة في حديث عقبة بكونها من الحق، وما سواها فهو من الباطل، وقد قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً} (¬1).
الوجه السادس: أن ابن حزم قد سلك في هذا الموضع مسلك ضلال الصوفية الذين يجعلون الغناء والمعازف طاعة وقربة إلى الله تعالى. ومن جعل الغناء والمعازف طاعةً وإحساناً، ولو في حال دون حال فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله.
الوجه السابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها. ومن المعلوم أن الغناء لم يكن من أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فمن جعله طاعةً وإحساناً فقوله مردود عليه؛ لأنه قد أحدث في أمر الإسلام ما ليس منه.
الوجه الثامن: أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف الغناء بأنه صوت أحمق فاجر، وأخبر أنه ملعون في الدنيا والآخرة، وقرنه بالنياحة في حديثين صحيحين، وقرن استحلاله باستحلال الزنا والخمر ولبس الحرير في حق الذكور، وما كان الأمر فيه هكذا فإنه لا يكون طاعةً ولا إحساناً
¬__________
(¬1) سورة الأحزاب، الآية 36.

الصفحة 323