كتاب فصل الخطاب في الرد على أبي تراب

شرب الخمر لا يكون لغواً معفواً عنه فكذلك الاستماع إلى الغناء والمعازف لا يكون لغواً معفواً عنه. وكما أن شرب الخمر لا يكون فيه ترويح للنفس وتنشيط لها على البر فكذلك الاستماع إلى الغناء والمعازف ليس فيه ترويح للنفس وتنشيط لها على البر، وإنما فيه نشوة كنشوة الخمر، ثم يعقبها الوهن والكسل وضيق الصدر. ولو ادعى بعض شربة الخمر لأنه ينوي بشربها ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله تعالى وينشط نفسه لذلك على البر، وأنه بذلك مطيع محسن وفعله من الحق - لما كان بين دعواه وبين دعوى ابن حزم في سماع الغناء فرق.
الوجه الحادي عشر: أن ابن حزم ومن سلك سبيله في استحلال الغناء والمعازف أولى بوصف الشغب من معارضيهم؛ لأن ابن حزم وأتباعه إنما يجادلون بأقوالهم الباطلة ليدحضوا بها الحق، ولذلك يتأولون بعض الأحاديث الصحيحة على غير تأويلها ويوجهونها على ما يوافق أهواءهم، وإذا لم يمكنهم ذلك في بعضها حكموا عليها بالوضع وقدحوا فيها وفي رواتها بغير حق. وهذا هو الشغب بعينه، بل هذا من أقبح الشغب. وأما معارضوهم فإنهم ما كانوا يعارضونهم بالشغب والشبه، وإنما كانوا يعارضونهم بالأدلة الواضحة من الكتاب والسنة وما جاء عن الصحابة والتابعين في ذم الغناء. وليست هذه الأدلة شغباً ولا شبهاً. ومن زعم أنها شغب وشبه فهو المشاغب الظالم.

الصفحة 325