كتاب فصل الخطاب في الرد على أبي تراب

ذاك، وثقل عليه سماع القرآن، وربما حمله الحال على أن يسكت القارئ ويستطيل قراءته، ويستزيد المغني ويستقصر نوبته، وأقل ما في هذا أن يناله نصيب وافر من هذا الذم إن لم يحظ به جميعه.
والكلام في هذا مع من في قلبه بعض حياة يحس بها، فأما من مات قلبه وعظمت فتنته فقد سد على نفسه طريق النصيحة: {وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (¬1).

فصل
الأدلة من القرآن الكريم على تحريم الغناء والمعازف
وقد استدل العلماء على تحريم الغناء بثلاث آيات من القرآن سوى ما تقدم.
إحداها: قول الله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} (¬2).
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، أخبرنا أبو صالح كاتب الليث، حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} قال: كل داع إلى معصية.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ومن المعلوم أن الغناء من أعظم الدواعي إلى المعصية؛ ولهذا فسر صوت الشيطان به.
¬__________
(¬1) سورة المائدة، الآية 41.
(¬2) سورة الإسراء، الآية 64.

الصفحة 34