كتاب فصل الخطاب في الرد على أبي تراب

و [مستدرك الحاكم] عن جبير بن مطعم رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في الصلاة: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من نفخه ونفثه وهمزه»، قال: نفثه: الشعر، ونفخه: الكبر، وهمزه: الموتة. وفي [المسند] و [سنن ابن ماجه] و [مستدرك الحاكم] من حديث ابن مسعود رضي الله عنه نحوه. وإذا كان الشعر من نفث الشيطان فالغناء كذلك بطريق الأولى؛ لأنه شعر مشتمل على زيادة من الشر وهي التلحين والتطريب مع التكسير والتمطيط، وهذا أحد الصوتين الملعونين في الدنيا والآخرة، كما تقدم في حديث أنس رضي الله عنه. وقد ثبت من هذه الأحاديث تحريم الغناء؛ لأنه من نفث الشيطان ومزاميره؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ في صلاته مما هو أخف منه وهو الشعر، وهو لا يتعوذ إلا من شر، فتبين من هذا أن الغناء شر محض.
الوجه الرابع: أن تعليل النبي صلى الله عليه وسلم ترك الجاريتين بأنها أيام عيد يقتضي أنه يرخص في أيام العيد للجواري الصغار ونحوهن في اللهو والغناء الذي لا يبلغ إلى درجة التحريم كالضرب بالدف مع إنشاد الأشعار التي لا بأس بها. ويستفاد من التعليل أيضاً أنهن يمنعن من ذلك في غير أيام العيد وما في معناها، كالأعراس. والله أعلم.
الوجه الخامس: أن في إنكار الصديق رضي الله عنه على عائشة والجاريتين وانتهارهن دليلاً على المنع من الغناء، لا سيما وقد قرن الإنكار ببيان علة المنع، وهي تسمية الغناء مزامير الشيطان. ولم يكن الصديق رضي الله عنه ليقدم على إنكار شيء في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد تقرر عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمنع منه؛ ولهذا أقره النبي صلى الله عليه وسلم على تسمية

الصفحة 351