كتاب فصل الخطاب في الرد على أبي تراب

وإذا كان الأمر هكذا في إنشاد الشعر من غير غناء فكيف بالغناء؟! والعجب كل العجب من ابن حزم حيث زعم أن الغناء كله حلال مطلق لا كراهية فيه، وقد جاء في أخف أنواعه ما جاء في هذه الأحاديث التي ذكرنا، وفي غيرها من الأحاديث التي تقدم ذكرها في ذم الغناء في أول الكتاب. والأصل في الشعر المنع والذم إلا ما رجحت مصلحته كمهاجاة المشركين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: «اهجهم - أو - هاجهم، وجبريل معك»، وكذلك ما اشتمل على الحكم والمواعظ والآداب فهذا لا بأس به. والله أعلم.
وأما الشطرنج فإنه من أنواع الميسر كما تقدم تقريره، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} (¬1). وفي هذه الآيات كفاية في رد ما زعمه ابن حزم من حل الشطرنج على الإطلاق وعدم الكراهية فيه. وقد تقدم عن ابن عمر رضي الله عنهما ومالك والليث بن سعد أنهم قالوا: الشطرنج شر من النرد، وفي رواية عن مالك أنه قال: الشطرنج من النرد، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله»، وقال أيضاً: «من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه»، وثبت عن أمير
¬__________
(¬1) سورة المائدة، الآيات 90 - 92.

الصفحة 355