كتاب فصل الخطاب في الرد على أبي تراب

الوجه الثاني: أن أبا مسعود وصاحبيه رضي الله عنهم لم يخالفوا عامر بن سعد في إنكار الغناء، وإنما بينوا له أن الغناء في العرس مخصوص من عموم المنع.
الوجه الثالث: أن الرخصة في الغناء عند العرس تدل على النهي عنه في غير بالعرس إلا ما كان من أيام العيد فإنها مثل أيام العرس، كما يدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها في قصة الجاريتين، وقد تقدم ذكره. ولو كان الأمر على ما زعمه ابن حزم لكان ذكر الرخصة في العرس لغواً لا معنى له ولا فائدة في ذكره.
الوجه الرابع: أن الغناء الذي ترخصوا في سماعه هو غناء الجواري الصغار، كما في [سنن النسائي] عن عامر بن سعد قال: دخلت على قرظة بن كعب، وأبي مسعود الأنصاري في عرس، وإذا جوارٍ يغنين. الحديث ونحوه في [مستدرك الحاكم]. والظاهر أن غناء هؤلاء الجواري كان من جنس غناء الجاريتين عند عائشة رضي الله عنها في يوم العيد، ومن جنس غناء الجواري في الأعراس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تقدم ذكره من حديث جابر وأنس وعائشة والربيع بنت معوذ رضي الله عنهم. وغناؤهن كان مجرد إنشاد للأشعار التي لا بأس بها مع الضرب بالدف حال الإنشاد. قد ذكرنا أن مثل هذا يجوز في أيام الأفراح؛ كالأعياد، والأعراس. وأما الغناء المعروف عند أهل اللهو واللعب - وهو غناء المخنثين وأشباههم - فقد كان السلف يذمونه ويمنعون منه، ولم يثبت عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنه كان يترخص فيه، والله أعلم.

الصفحة 362