الشيطان لو ترك أحداً لترك هذه. وقد تقدم ذكر هذه الروايات في أول الكتاب. وإذا كان هذا فعل ابن عمر رضي الله عنهما فكيف يظن به أنه استمع إلى غناء الجارية وضربها بالعود؟! هذا باطل قطعاً.
الوجه الثالث: قال ابن حجر الهيتمي: زعم ابن حزم أن عبد الله بن عمر وعبد الله بن جعفر سمعاه؛ من تهوره ومجازفته، ومن ثم قال الأئمة في الرد عليه: لم يثبت ما زعمه عنهما، وحاشا ابن عمر من ذلك مع شدة ورعه وتحريه واتباعه وبعده من اللهو.
الوجه الرابع: أن ابن عمر رضي الله عنهما لم يكن أميراً ولا قاضياً حتى يأتي إليه البائع يشتكي أنه غبن في بيعه فيأمر ابن عمر رضي الله عنهما المشتري أن يعطي البائع ما غبنه به أو يرد عليه بيعه. فهذا أوضح دليل على أن هذه القصة موضوعة.
الوجه الخامس: أنا نطالب من ادعى صحة هذه القصة بإبراز إسنادها لتعلم حال رجاله، فلعل الآفة فيه ممن دون حماد بن زيد.
الوجه السادس: أنه ليس لابن حزم أن يحتج بهذا الأثر، ولو قدر أنه كان صحيحاً؛ لأنه قد قرر فيما تقدم في أثناء كلامه: أنه لا حجة لأحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي تقريره لهذا القول هناك واحتجاجه بهذا الأثر المقطوع هنا تناقض عجيب.
الوجه السابع: أنه لو ثبت ما ذكره عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما لم يكن ذلك حجة، بل الواجب رده؛ لأنه من المحدثات، كما نص على ذلك الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» متفق عليه