الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أهديتم الفتاة؟» قالوا: نعم، قال: «أرسلتم معها من يغني؟» قالت: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الأنصار قوم فيهم غزل، فلو بعثتم معها من يقول: أتيناكم أتيناكم، فحيانا وحياكم»، وقد رواه الإمام أحمد من طريق الأجلح عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «أهديتم الجارية إلى بيتها؟» قالت: نعم، قال: «فهلا بعثتم معها من يغنيهم، يقول: أتيناكم أتيناكم، فحيونا نحييكم، فإن الأنصار قوم فيهم غزل».
وهذا وإن أطلق عليه اسم الغناء فليس هو من جنس غناء المخنثين ومن شابههم، فإن الغناء المذكور في هذا الحديث إنما هو مجرد رفع الصوت ومتابعته بقول الجواري: أتيناكم أتيناكم، فحيونا نحييكم. وقد تقدم ما ذكره ابن منظور في [لسان العرب] عن الأصمعي أنه قال: كل من رفع صوته ووالاه فصوته عند العرب غناء، وكذا قال ابن الأثير في [النهاية]. وأما غناء المخنثين فهو التلحين والتطريب برقيق الشعر مع تمطيطه وتكسيره وتقطيعه على النغمات الرقيقة التي تستفز العقول وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة. وبين هذا القسم والقسم الأول من التفاوت كما بين السماء والأرض، فإن القسم الأول جائز شرعاً لإعلان النكاح، وليس فيه ما يستفز العقول ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة. وأما القسم الثاني فإنه صوت الشيطان ومزماره، وهو صوت أحمق فاجر ملعون في الدنيا والآخرة، فمن قاسه على القسم الأول وجعل حكم الجميع واحداً فقد أخطأ خطأ كبيراً، وفتح على الناس باب شر وساد عريض. وقياس هذا القسم على القسم الأول مثل قياس الميتة