والسنة وأقوال الصحابة والتابعين وأئمة العلم والهدى من بعدهم. ومن شم أدنى رائحة من العلم لم يشك في بطلان قولهما، ووجوب رده، ولم يشك أن الحق خلاف ذلك، وهو تحريم الغناء والمعازف فضلاً عن كراهيتهما.
الوجه الثالث: أن كلام أبي تراب ههنا يقتضي تخطئة من قال بذم الغناء وآلات اللهو من الصحابة والتابعين وتابعيهم والأئمة الأربعة، وغيرهم من علماء المسلمين، ويستلزم تجهيلهم وتضليلهم، وأن ما قالوه في تفسير لهو الحديث وصوت الشيطان والزور واللغو والسمود، وما اعتمدوا عليه من الأحاديث في ذلك - فكله باطل مردود عند أبي تراب، والحق عنده خلاف ذلك. وهذه زلة عظيمة من أبي تراب، وحاصلها مشاقة الله تعالى، ومشاقة رسوله صلى الله عليه وسلم، واتباع غير سبيل المؤمنين.
الوجه الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن اللهو كله باطل سوى أربعة أشياء، وهي: الرمي بالقوس، وتأديب الفرس، وملاعبة الأهل، وتعليم السباحة. وقد عارض أبو تراب هذا النص برأيه فزعم أن الغناء وآلات اللهو من الحق. وهذا من المحادة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. وقد قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً} (¬1)، وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬2). قال
¬__________
(¬1) سورة الأحزاب، الآية 36.
(¬2) سورة النور، الآية 63.