الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أتدري ما الفتنة؟! الفتنة: الشرك، لعله رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك، ثم جعل يتلو هذه الآية: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (¬1).
الوجه الخامس: أن اتباع الهوى يعمي ويصم، فيفسد لذلك تصور صاحبه، حتى يرى الحق في صورة الباطل، والباطل في صورة الحق، وقد وقع هذا لأبي تراب، حيث زعم أن كل ما ورد في هذا الباب من تحريم الغناء وتحريم بيع آلاته فهو باطل مردود، وأن الحق خلاف ذلك.
الوجه السادس: أن ما كان حراماً في الشرع فالنية لا تحيله إلى الإباحة. والغناء والمعازف حرام شرعاً، فالنية لا تزيل حكم التحريم عنهما ولو قصد بهما الاستعانة على الحلال، ولا يقال في مثل هذا: إنما الأعمال بالنيات. وإذا قصد بهما الاستعانة على حرام كان أشد لتحريمهما؛ لأنه يجتمع فيهما فعل الحرام والاستعانة به على حرام آخر.
الوجه السابع: أن الغناء والمعازف من شعب الضلال، سواء قصد بهما شيء آخر من الضلال او لم يقصد، فهما ضلال على كل حال؛ لأنهما من جملة اللهو الذي نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه كله باطل. والباطل ضد الحق، وقد قال الله تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ} (¬2). وإذا قصد بالغناء والمعازف شيء آخر من الضلال كان أشد لتحريمهما، كما
¬__________
(¬1) سورة النساء، الآية 65.
(¬2) سورة يونس، الآية 32.