كتاب فصل الخطاب في الرد على أبي تراب

وهذه الخصال الأربع كلها من الكبائر، فقرن المعازف معها يدل على أنها مثلها والله أعلم، وقد عدها ابن حجر الهيتمي من الكبائر، فقال في كتاب [الزواجر عن اقتراف الكبائر] ما نصه:
الكبيرة السادسة والسابعة والثامنة والتاسعة والأربعون والخمسون والحادية والخمسون بعد الأربعمائة: ضرب وتر واستماعه وزمر بمزمار واستماعه، وضرب بكوبة واستماعه.
ثم استدل على ذلك بقول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} الآية (¬1)، وبقوله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} (¬2).
قلت: وإنما كان صوت المزمار عند النعمة وصوت الرنة عند المصيبة ملعونين في الدنيا والآخرة؛ لأن الأول ينافي الشكر والثاني ينافي الصبر.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ومنافاة النوح للصبر والغناء للشكر أمر معلوم بالضرورة من الدين، لا يمتري فيه إلا أبعد الناس من العلم والإيمان، فإن الشكر هو الاشتغال بطاعة الله، لا بالصوت الأحمق الفاجر الذي هو للشيطان.
وكذلك النوح ضد الصبر، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في النائحة وقد ضربها حتى بدا شعرها قال: لا حرمة لها، إنها تأمر بالجزع وقد نهى الله عنه، وتنهى عن الصبر وقد أمر الله به، وتفتن الحي وتؤذي الميت، وتبيع عبرتها وتبكي شجو غيرها.
¬__________
(¬1) سورة لقمان، الآية 6.
(¬2) سورة الإسراء، الآية 64.

الصفحة 49