كتاب فصل الخطاب في الرد على أبي تراب

بلازم، وإن استمر جالساً وقصد الاستماع كان محرماً، وإن لم يقصد الاستماع، بل قصد غيره كالأكل من الوليمة أو غير ذلك فهو محرم أيضاً عند أصحابنا وغيرهم من العلماء، وخالف فيه طائفة من الفقهاء.
وقال ابن حجر الهيتمي: صرح أصحابنا بأنه لو كان في جواره شيء من الملاهي المحرمة ولا يمكنه إزالتها لا يلزمه النقلة، ولا يأثم بسماعها إلا عن قصد، وصرحوا ههنا بأنه إنما يأثم بالاستماع لا بالسماع. انتهى.
ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم حاجة إلى معرفة انقطاع الصوت عنه؛ لأنه عدل عن الطريق وسد أذنيه، فلم يكن ليرجع إلى الطريق ولا يرفع أصبعيه عن أذنيه حتى ينقطع الصوت عنه، فأبيح للحاجة.
قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى: ولو قدر أن السماع لا يجوز فلو سد هو ورفيقه أذنيهما لم يعرفا متى ينقطع.
ومنها: أن تلك الزمارة التي سمعها ابن عمر رضي الله عنهما لم تكن مما يتخذه أهل الخلاعة والمجون من الشبابات المطربة، قالوا: ومعلوم أن زمر الراعي في قصبة ليس كزمر من جعله صنعة، وتأنق فيه وفي طرائقه ونغماته التي تهيج الطباع إلى الهوى، وتدعو إلى المعاصي، كما قال طائفة من السلف: الغناء رقية بالزنا.
قال الخطابي رحمه الله تعالى: المزمار الذي سمعه ابن عمر رضي الله عنهما: هو صفارة الرعاة، وقد جاء ذلك مذكوراً في هذا الحديث من غير هذه الرواية، وهذا وإن كان مكروهاً فقد دل هذا الصنع على أنه ليس في غلظ الحرمة؛ كسائر الزمور والمزاهر والملاهي التي يستعملها

الصفحة 61