كتاب فصل الخطاب في الرد على أبي تراب

أهل الخلاعة والمجون، ولو كان كذلك لأشبه أن لا يقتصر في ذلك على سد المسامع فقط دون أن يبلغ فيه من النكير مبلغ الردع والتنكيل.
وقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى: زمارة الراعي ليست مطربة كالشبابة التي تصنع من اليراع، فلو قدر الإذن فيها لم يجز الإذن في اليراع الموصول وما يتبعه من الأصوات التي تفعل في النفوس فعل حميا الكؤوس. انتهى.
وأما ترك الإنكار على الراعي فقد قيل في الجواب عنه: لعله إنما سمع صوته ولم ير شخصه، وقيل: لعله كان في رأس جبل أو مكان لا يمكن الوصول إليه، وقيل: لعل الراعي لم يكن مكلفاً فلم يتعين الإنكار.
وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في [المغني]: لعله كان في أول الهجرة حين لم يكن الإنكار واجباً، أو قبل إمكان الإنكار؛ لكثرة الكفار وقلة أهل الإسلام.
وقال الحافظ ابن رجب: فإن قيل: فلو كان سماع الزمارة محرماً لأنكره النبي صلى الله عليه وسلم على من فعله، ولم يكتف بسد أذنيه فيحمل ذلك على كراهة التنزيه، وقد نقل ابن عبد الحكم هذا المعنى بعينه عن الشافعي رحمه الله تعالى، كما ذكره الآبري في كتاب [مناقب الشافعي].
قيل: الشافعي رحمه الله تعالى لا يبيح استماع آلات الملاهي، وابن عبد الحكم ينفرد عن الشافعي بما لا يوافقه عليه غيره، كما نقل عنه في الوطء في المحل المكروه وأنكره عليه العلماء، فإن كان هذا محفوظاً عن الشافعي فإنما أراد به أن زمارة الراعي بخصوصها لا يبلغ سماعها

الصفحة 62