الموت، أخاف أن تدركني: إذا أمرت السفهاء، وبيع الحكم، وتهون بالدم، وقطعت الأرحام، وكثرت الجلاوزة، ونشأ نشء يتخذون القرآن مزامير) رواه أبو نعيم في [الحلية].
الجلاوزة: هم الشرط وأعوان السلطان.
وهذا الحديث والذي قبله لهما حكم المرفوع؛ لأنه لا دخل للرأي في مثل هذا، وإنما يقال عن توقيف. وقد تقدم ذلك مرفوعاً من حديث عابس الغفاري. والله أعلم.
وهذه الأحاديث الأربعة يصدق بعضها بعضاً. وقد وقع مصداقها في هذه الأمة وآخرها ظهوراً النشء الذين يتخذون القرآن مزامير، فهؤلاء لم يوجدوا إلا في زماننا هذا، وهم قراء الإذاعات، ومن شابههم من القراء الذين يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح. وكثيراً ما نسمع صوت القارئ في الإذاعة فلا ندري قبل أن نفهم ما يلفظ به، هل هو يقرأ أو يغني، لما بين الغناء وقراءتهم من المشابهة التامة. ونذكر بذلك قوله في حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعاً: «وسيجيء قوم من بعدي يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم».
وفي مطابقة هذه الأحاديث الأربعة للواقع أوضح دليل على صحتها في نفس الأمر وخروجها من مشكاة النبوة. وكذلك في اتفاق معانيها، مع تعدد طرقها، وتباين مخارجها دليل على أن لها أصلاً. والله أعلم.
وظهور النشء الذين يتخذون القرآن مزامير في زماننا فيه تصديق لما في حديث الحكم بن عمرو رضي الله عنه: أنهم يكونون في آخر الزمان.