فصلوات الله وسلامه على عبده ورسوله محمد الذي بلغ البلاغ المبين، وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
وفي هذه الأحاديث الأربعة دليل على تحريم الغناء والمزامير.
وبيان ذلك من وجوه:
أحدها: أنه حذر في حديث حذيفة رضي الله عنه من قراءة القرآن بلحون أهل الفسق، والتحذير لا يكون إلا عن أمر محرم، وأهل الفسق ههنا: هم المغنون، كما بين ذلك في آخر الحديث فقال: «سيجيء قوم من بعدي يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء».
الثاني: أنه حكم بفسق المغنين. والفسق لا يكون إلا على ترك واجب أو ارتكاب محرم، وهو ههنا على ارتكاب محرم.
الثالث: أنه صلى الله عليه وسلم كان يتخوف على أمته أن يسلكوا بقراءة القرآن مسالك الغناء والمزامير، ولا يتخوف إلا من أمر عظيم. ولو كان الغناء جائزاً لما كان للتخوف ههنا معنى.
الرابع: أنه قرنه مع أمور محرمة، فدل على أنه محرم مثلها.
الخامس: أن قراءة القرآن بألحان الغناء فيها استخفاف بالقرآن، والاستخفاف به من أعظم المحرمات. ولو كان الغناء جائزاً لما كان في قراءة القرآن بلحونه استخفاف به.
السادس: أن عابساً والحكم بن عمرو وأبا هريرة رضي الله عنهم تمنوا الموت خوفاً من إدراك الخصال الست الذميمة، ومنها اتخاذ القرآن مزامير، وهذا يدل على تحريم الغناء. ولو كان جائزاً لما كان في قراءة القرآن بلحونه ما يدعو إلى تمني الموت. والله أعلم.