كتاب فصل الخطاب في الرد على أبي تراب

فألقت الدف تحت استها، ثم قعدت عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان ليخاف منك يا عمر، إني كنت جالساً وهي تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف». قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث بريدة رضي الله عنه.
قلت: وفيه إشارة إلى أن الغناء وضرب الدف من عمل الشيطان، وما كان من عمل الشيطان فأقل أحواله الكراهة.
وفعل الجارية السوداء يحتمل التحريم، ويحتمل الكراهة وهو أظهر، وعلى القول بالاحتمال الأول، فإنما رخص النبي صلى الله عليه وسلم لها في التغني وضرب الدف لتوفي بنذرها، كما رخص للمرأة الأنصارية في النياحة لتكافئ اللاتي قد أسعدنها قبل النهي عن النياحة. ومن المعلوم أن النياحة من عمل الشيطان، ومن كبائر الإثم، ومع هذا فقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة الأنصارية فيها مرة واحدة، كما رخص للجارية السوداء في التغني وضرب الدف مرة واحدة. وكما أن ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة الأنصارية وحدها في النياحة مرة واحدة ليس فيها دليل على جواز النياحة لغيرها، فكذلك ترخيصه صلى الله عليه وسلم للجارية السوداء في التغني وضرب الدف مرة واحدة ليس فيه دليل على جواز ذلك لغيرها. والله أعلم.
والظاهر أن غناء الجارية السوداء كان من جنس غناء الجاريتين عند عائشة رضي الله عنها في يوم العيد، وهو مجرد إنشاد الشعر والضرب بالدف مع ذلك، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرخص في مثل هذا للجواري الصغار ونحوهن في أيام الأفراح؛ كالأعياد، والأعراس. ولا شك أن

الصفحة 94