فرح الصحابة رضي الله عنهم بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم من سفره سالماً أعظم من فرحهم بالعرس والعيد؛ فلهذا رخص النبي صلى الله عليه وسلم للجارية السوداء في التغني والضرب بالدف في ذلك اليوم، كما رخص للجاريتين اللتين كانتا عندها عائشة رضي الله عنها بالغناء والضرب بالدف في يوم العيد، وكما كان يرخص للحبشة في اللعب بالحراب يوم العيد، وللجواري الصغار في الغناء والضرب بالدف في العرس.
ومن غناء الجواري في يوم قدوم النبي صلى الله عليه وسلم من بعض أسفاره:
طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع
وليس هذا من الغناء المحرم الذي يستفز العقول ويهيج الطباع إلى الهوى، وغناء الجارية السوداء عند النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج عن هذا الضرب. والله أعلم.
وفي [جامع الترمذي] أيضاً عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً فسمعنا لغطاً وصوت صبيان، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حبشية تزفن والصبيان حولها، فقال: «يا عائشة، تَعَالي فانظري» فجئت فوضعت لحيي على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه، فقال لي: «أما شبعت، أما شبعت؟» قالت: فجعلت أقول: لا؛ لأنظر منزلتي عنده. إذ طلع عمر، قالت: فارفضَّ الناس عنها، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر». قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.