كتاب تفسير العثيمين: الصافات

وأما لم يكد يفعل كذا، فهذه تدل أيضًا على انتفاء الفعل، وأنه ما قارب أن يفعل هذا الشيء، لكن إن وجد قرينة تدل على الفعل مثِلِ: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)} فالإثبات جاء من كلمة {فَذَبَحُوهَا} لا من كلمة {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)}.
ولهذا قال الله تعالي: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور: ٤٠] فهل نقول إنه يراها؟ لا، بل نقول لا يقارب أن يراها يعني هذه الظلمات العظيمة لو تضع يدك إلى جنب عينك ما رأيتها. فهذا القول المشهور ليس بصحيح، بل نقول: إن (كاد) كغيرها من الأفعال إثباتها إثبات، ونفيها نفي، لكن معناها معنى قرب. قال: {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦)} (اللام) هذه للتوكيد، لكن يعبر عنها بعض النحويين بقولهم: اللام فارقة، أو اللام لام الفرق، يعنون بذلك أنها تفرق بين "إن" النافية وبين "إن" المخففة من الثقيلة؛ لأنها إذا جاءت بعد "إن" فإنها تدل على أنها مخففة من الثقيلة وليست بنافية؛ لأن النفي لا يؤكد باللام.
وهل تجب هذه اللام الفارقة في خبر "إن"؟
نقول في هذا تفصيل: إن كان المعنى واضحًا فإنها لا تجب، وإن كان المعنى خفيًّا فإنها تجب أي إن احتمل السياق أن تكون "إن" للنفي وجب الإتيان بها باللام الفارقة، وإن لم يكن يحتمل لم يجب.
فقول الشاعر:
وإن مالك كانت كرام المعادن

الصفحة 120