كتاب تفسير العثيمين: الصافات

ويتساءلون عما جرى في الدنيا، والتحدث عما جرى على الإنسان فيما سبق فيه لذة وراحة للنفس. أرأيت إذا تحدثت عن صباك ماذا تفعل وأنت صبي تجد في ذلك لذة وراحة ويذهب عنك الوقت وأنت لا تشعر به، فهم يتساءلون: ماذا حصل لنا في الدنيا؟ وكيف وصلنا إلى هذه النعمة؟ إلى غير ذلك من الأحاديث الممتعة الشيقة، ولهذا قال: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٥٠)}.
٢ - ومن فوائدها: كمال أدب أهل الجنة في أنهم عند المحادثة يقبل بعضهم على بعض لقوله: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٥٠)} وهذا من كمال الأدب أن تقبل إلى محدثك خلافًا لمن عندهم سوء أدب تجده عند المحادثة: وهو على يمينك تصد عن اليسار، وأنت تسأل عن حاله، حتى مهما كان الأمر فإنه من سوء الأدب، ولو فرض أنك تنظر إلى اليسار لاشتغالك بأمر مهم كأنك تنظر إلي طفل صغير تخشى عليه أن يقع في بئر، أو ما أشبه ذلك فإننا نقول: لا تحدثه وأنت صادّ عنه، إذا فرغت من هذا النظر فأقبل عليه.
وهل يؤخذ من ذلك أن من سوء الأدب أن تسلم على الإنسان من ورائه؟ فأحيانًا يكون الإنسان واقفًا حوله جماعة يسلمون عليه كلهم أمامه، ولكن يأتي واحد من ورائه يسلم عليه، فهذا المسلم عليه بين أمرين: إما أن يقبل عليه فيستدبر الآخرين، وإما أن يبقى مستقبل الآخرين، ويسلم عليه مستدبرًا له. فنقول: ليس له حق أن يُسلم من ورائه. والناس يسلمون من أمامه، وأقول: إذا أردت أن تسلم فاذهب مع الناس، وربما أنه يريد أن

الصفحة 122