كتاب تفسير العثيمين: الصافات

هذه فائدة نقول في خلاصتها: إنه يندب للإنسان أن ينظر في ضلال من ضل ليتبين في ذلك قدر نعمة الله عليه في الهداية. فإن الأشياء إنما تتبين بضدها.
١٠ - ومن فوائدها: أن أحوال يوم القيامة لا تقاس بأحوال الدنيا، فإن هذا ينظر من أعلى عليين إلى أسفل السافلين، فيرى صاحبه في سواء الجحيم.
فيتفرع على هذه الفائدة: أن كل ما ورد من أحوال يوم القيامة مما تستبعده النفوس لعدم مشاهدة نظيره في الدنيا لا ينبغي أن يكون محل استبعاد، فمثلًا ثبت في الصحيح أن الشمس تدنو من الخلائق يوم القيامة بمقدار ميل (¬١). ولو أن الشمس دنت إلى الخلائق في هذه الدنيا من ذلك لأحرقتهم، لا يقول قائل: كيف يمكن أن يبقوا والشمس تدنو منهم إلى هذا الحد؟ ! كذلك أيضًا ورد أن الناس يختلفون يوم القيامة بالنسبة للعرق. فمنهم يبلغ كعبيه، ومنهم من يبلغ ركبتيه، ومنهم من يبلغ حقويه، ومنهم من يلجمه (¬٢)، وهم في مكان واحد ربما يستبعد الإنسان وجود هذا، لأنه لا يشاهد نظيره في الدنيا، فنقول: لا تستبعد؛ لأن أحوال الآخرة ليست كأحوال الدنيا. ففي يوم القيامة المؤمنون نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم. والكافرون في ظلمة، والمكان واحد فلا يستفيد هؤلاء من نور هؤلاء، مع أنه في الدنيا لو كان
---------------
(¬١) أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب الأرواح جنود مجندة. (رقم ٣٣٤٠) ومسلم، كتاب الجنة، باب في صفة يوم القيامة ... (رقم ٢٨٦٤).
(¬٢) أخرجه مسلم، كتاب الجنة، باب في صفة يوم القيامة ... رقم (٢٨٦٤).

الصفحة 126