كتاب تفسير العثيمين: الصافات

أحدنا معه نور في يده ليضيء طريقه لانتفع به من كان حوله، فلا تستبعد في الآخرة أن يكون مثل هذا الأمر. لأن أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا، فهذا الرجل ينظر من أعلى عليين إلى أسفل السافلين، فيرى صاحبه، {فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (٥٥)}.
١١ - ومن فوائدها أيضًا: أن هذا المطلع يخاطب صاحبه في أسفل السافلين، ويكلمه، فكل واحد منهم يخاطب الآخر، وهذا أيضًا لا يجوز أن يستبعد؛ لأن أحوال الآخرة غير أحوال الدنيا، ولأننا ربما شاهدنا في هذه الدنيا ما يشابه هذه الحال بواسطة الاتصالات الحديثة، فالإنسان قد يخاطب صاحبه وهو في مشرق الأرض والآخر في مغربها ويخاطبه وينظر إليه.
١٢ - ومن فوائدها: بيان توبيخ هؤلاء المفسدين في يوم القيامة، لأنه وبخهم بقوله: {تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦)} وقد جاء في آية أخرى بأنه يوم القيامة يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضًا، قال الله تعالى: {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف: ٣٨].
١٣ - ومن فوائدها: أن هذا القرين السيئ كان يحاول بكل جهده أن يهلك صاحبه، ولهذا من شدة دعايته كاد أن يهلك هذا {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦)}.
١٤ - ومن فوائدها: أن الهلاك الحقيقي هو هلاك الدين؛ لأنه وصف ذلك بالردى {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦)} وهذا هو الحق، فإن الهلاك الحقيقي هو هلاك الدين، أما الدنيا فإنها إنما خلقت للفناء، وما خُلق الناس للبقاء في الدنيا {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦)}.

الصفحة 127