كتاب تفسير العثيمين: الصافات

في مقام المدح لابد أن تتضمن ثبوتًا؛ لأن الصفة السلبية في غير مقام المدح ليست مدحًا، فإنه قد يقال: الجدار لا يُعذب. وليس في هذا مدح للجدار. فلابد أن تكون هذه الصفة متضمنة لثبوت كمال، فما هو كمال النعيم؟ لما ذكروا انتفاء الموت فزال عنهم التنغيص به ذكروا أيضًا انتفاء التعذيب؛ لأن الإنسان قد يبقى في حياته معذبًا، فقالوا: {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩)} لكمال حياتهم وكمال نعيمهم، أنهم لا يلحقهم مع البقاء تعذيب.
٧ - من فوائد قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠)} أن الفوز حقيقة هو الوصول إلى دار كرامة الله -عز وجل- فيترتب على هذه الفائدة: أن الإنسان مهما فاز في الدنيا فإن فوزه ليس بشيء بالنسبة إلى فوز الآخرة، لأنه قال: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠)}.
ولهذا نظير في القرآن مثل قوله: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: ١٨٥] هذا الفوز ليس بحصول المال ولا الجاه ولا الرئاسة ولا بحصول الأولاد ولا الزوجات، الفوز حقيقة هو الوصول إلى دار النعيم المقيم. أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم ممن وصلها.
٨ - ومن الفوائد: أن الذي ينبغي أن يعمل له العامل، ويكدح له الكادح، ويتعب فيه التاعب هو هذا النعيم، لقوله: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (٦١)} فغيره لا تعمل ولا تتعب نفسك في أمر لا ينفعك في الآخرة، وليس معنى هذا أن نقول: لا تعمل

الصفحة 138