كتاب تفسير العثيمين: الصافات

دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (٦٣)} [المؤمنون: ٦٣] يحكي الله تعالى عن الكفار بأن قلوبهم في غمرة، يعني مغمورة، وأتي بفي الدالة على الظرفية، للدلالة. على أن الغمرة -والعياذ بالله- قد أحاطت بهذه القلوب، في غمرة من هذا، لكن أعمال الدنيا {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (٦٣)}. لا يعملون لغيرها وهي من دون ذلك، وأتى بمن الدّالة على البعد في الدون عما خلق له الإنسان، هؤلاء قلوبهم في غمرة مما وعد الله به أهل الجنة، وتوعد به أهل النار، لكن أعمال الدنيا التي هي دون ذلك بمراحل كثيرة هم لها عاملون وهذا كقوله تعالى في توبيخ من يعذب يوم القيامة: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢)} [ق: ٢٢] في الدنيا في غفلة عن اليوم الآخر، ولا كأن هذا اليوم سيأتي، أما اليوم فقد كشف عنك الغطاء، فبصرك حديد قوي، تبصر الأشياء على حقيقتها في الآخرة، فهنا أمر الله أن نعمل لهذا، {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (٦١)} وأما ما دون هذا فلا ينبغي للإنسان اتعاقل أن يفني عمره ويتعب جسده وفكره في العمل له.
فإذا قال قائل: هل معنى ذلك أن أترك العمل للدنيا؟ فالجواب، لا. ولو قلنا بهذا لكان قول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥)} [الملك: ١٥] وكان قوله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: ٢٥] وكان قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: ١٩٨] كل هذا كلام عبث ولغو، بل نقول: اعمل للدنيا، لكن الموفق يستطيع أن

الصفحة 140