كتاب تفسير العثيمين: الصافات

مؤكدة بـ (إنّ) و (اللام) لإفادة أن أكلهم مستمر، لأن الجملة الاسمية تفيد الثبوت والاستمرار، وأكدت بـ (إنّ) و (اللام) للدلالة على أنهم يأكلون منها أكلًا مؤكدًا مع أنها قبيحة المنظر، كريهة الطعم والرائحة، لكن -والعياذ بالله- الجوع الشديد يضطرهم إلى أن يأكلوا منها قصرًا من غير شهوة ومن غير لذة، لكن لملء بطونهم فقط، وأكد أكلهم منها لئلا يقول قائل: إنها ما دامت على هذا الوصف فلن يأكل منها أحد، ومع ذلك فإن الإنسان لو كان في الدنيا ربما يفضل الموت على الأكل من هذا. لكن في النار يعذبون بالأكل فيها، ولهذا قال تعالى: {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦)} يعني: أنهم لا يشبعون ولا يقتصرون على الضرورة، وأنت عندما يعرض لك في الدنيا وأنت جائع جوعًا شديدًا لحم منتن لا تملأ منه البطن وإنما تأكل بقدر الضرورة فقط، لو حاولت أن تملأ بطنك أبت عليك نفسك، ولو أنك ملأته لأوشك أن تتقيأه، لكن في النار يعذبون بذلك فلا يأكلون بقدر الحاجة بل يملؤون بطونهم، يأكل ويقول: هات هات، كما أنهم يجبرون على شرب الحميم ويشربونه شرب الهيم، شرب الإبل الهائمة العطشى، وهذا من شدة عذابهم -والعياذ بالله- أن تصل بهم الحال إلى الجوع الشديد الذي يضطرهم إلى أكل هذه الشجرة الخبيثة يملؤون بطونهم منها، وإلى العطش الشديد الذي يضطرهم إلى شرب الحميم، وهو الماء الحار الذي لا يستفيدون منه، بل قد قال الله تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (١٥)}. [محمد: ١٥]

الصفحة 151