كتاب تفسير العثيمين: الصافات

خارجها]، وهذه الفائدة فائدة ضعيفة بالواقع، وكوننا نستفيد هذه الفائدة من هذه الجملة ليس بمتعين، والله -عَزَّ وَجَلَّ- يقول: {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (٤٨)} [الحجر: ٤٨] فكيف يقال: إنهم يخرجون ويشربون الحميم ثم يردون، هذا بعيد جدًا، لكن إما أن نجعل التَّرتيب هنا للترتيب الذكري، أي: أن الله بعد أن ذكر أنواعًا من العقوبات لهم بين أن مآلهم إلى الجحيم الذي فيه هذه العقوبات.
والترتيب الذكري موجود في اللغة العربي، ومنه قول الشَّاعر:
إن من ساد ثم ساد أبوه ... ثم ساد من بعد ذلك جده
وسيادة الأب سابقة على سيادته، وسيادة الجد سابقة على سيادة الأب.
أو يقال: إنهم كما قال الله عنهم: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة: ٢٠] وأنهم يقربون من أبوابها ويسقون هذا الحميم فيقربون لتتطلع نفوسهم إلى الخروج، فيكون عندهم بعض الأمل، فإذا أمّلوا هذا الأمل ثم ردوا إلى أصل الجحيم صار هذا أشد عذابًا عليهم، لأن حصول اليأس بعد الأمل أشد من بقاء اليأس؛ لأن الأمل يرفع اليأس، وإذا أعيد إلى العذاب عاد اليأس، فكان أشد وقعًا.
أرأيت لو أن رجلًا مغلولًا بين يديك، وصرت تحاول فك عنقه، فإنه يفرح، لكن إذا عدت ثم شددته ربطًا وأتيت بغلٍّ آخر ازداد يأسًا وغمًّا إلى غمه، بعد أن رأى بصيص الأمل يعاد فيهان هؤلاء -والعياذ بالله- كلما أرادوا أن يخرجوا منها وحصل لهم

الصفحة 156