كتاب تفسير العثيمين: الصافات

فإذا كان التقليد للضرورة بحيث إن الإنسان لا يتمكن من الوصول إلى الحكم عن طريق الاستدلال، فهنا يجوز التقليد للضرورة؛ لقول الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٤٣)} [النحل: ٤٣] ولم يقل: فاستنبطوا من القرآن والسنة إن كنتم لا تعلمون؛ لأنَّ من لا علم عنده لا يمكن أن يستنبط بنفسه، ولو حاول استنباط الأحكام من الأدلة وهو ليس عنده علم فسوف يضل ويتخبط خبط عشواء، فالإنسان الذي ليس عنده علم فرضه التقليد، والذي عنده علم فرضه الاجتهاد، وهذا القول وسط بين من يشددون في الإنكار على التقليد، وبين من يشددون في الإنكار على المجتهدين، فيكون التقليد للضرورة.
٣ - ومن فوائدها: إطلاق الآباء على الأجداد؛ لأنَّ الظاهر أن قوله: {آبَاءَهُمْ} يشمل الأب الأدنى والأب الأعلى. وإطلاق الأب على الجد ولو كان بعيدًا معروف في الكتاب والسنة، قال الله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: ٧٨] فسمى الله إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلامُ- أبًا مع أنَّه جد بعيد، ويتفرع على هذه القاعدة: ترجيح القول بأن الجد من قبل الأب يسقط الإخوة مطلقًا أي سواء كانوا أشقاء، أو لأب، أو لأم في باب الميراث، وهو القول الراجح لأنَّه أب، وهذا القول هو قول أبي بكر الصِّديق - رضي الله عنه -، وروي عن ثلاثة عشر صحابيًّا، وهو مذهب أبي حنيفة -رَحِمَهُ الله- واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ- وهو القول الراجح المتعين، ووجه ذلك أن القائلين بالتوريث أتوا بتفصيلات لو كانت هي الشرع لوجب أن تبيّن في كتاب الله تعالى وسنة

الصفحة 160