كتاب تفسير العثيمين: الصافات

وقوله: {أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢)} يعني رسلًا منذرين، كما قال الله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [النساء: ١٦٥] لكنَّه هنا لم يذكر البشارة؛ لأنَّ المقام مقام تهديد، فكان طي البشارة أنسب والاقتصار على الإنذار أنسب، فقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢)} والرسول قال أهل العلم: الذي أوحي إليه بالشرع وأُمِرَ بتبليغه، فإن قلت: ماذا نصنع في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ}؟ [الحج: ٥٢] حيث قال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} [الحج: ٥٢] فهو يقتضي أيضًا أن النَّبيُّ وهو الذي أوحي إليه بالشرع ولم يؤمر بالتبليغ قد أرسل.
فالجواب: أن تقدير الآية: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبأنا من نبي. فهو على حد قول الشَّاعر:
(علفتها تبنًا وماءً باردًا)
فالماء البارد لا يعلف ولكنه يسقى، وهو على تقدير: وسقيتها ماء باردًا.
ومن المعلوم أن حذف ما يعلم جائز، كما قال ابن مالك -رَحِمَهُ اللهُ- في ألفيته:
وحذف ما يعلم جائز كما ... تقول: زيد بعدما من عندكما.
{مُنْذِرِينَ (٧٢)} اسم فاعل من أنذر ينذر، والمنذر المخوف، أي مخوفين من خالف بالعقوبة وحرمان الثواب،

الصفحة 163