كتاب تفسير العثيمين: الصافات

كان) أي: انظر إلى الكيفية وإلى الغاية.
لأنَّ من نظر إلى الكيفية نظر إلى الغاية، لو قال: ماذا كان عقابهم؟ لكان الجواب: الهلاك. لكن كيف عقابهم؟ انظر إليه: إلى الكيفية. {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} [العنكبوت: ٤٠] فانظر إلى كيفية العاقبة لتستفيد بهذا النظر شدة العقوبة وملاءمتها للذنب؛ لأنَّ الله قال: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} [العنكبوت: ٤٠] أي: إن عقوبته ملائمة لذنبه، وأنت إذا تأملت هذا وجدت الأمر كما قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-، فمثلًا كانت عاد تفتخر بقوتها وتقول: من أشد منا قوة؟ فأهلكوا بألطف الأشياء وهي الرِّيح، أرسل الله عليهم ريحًا فدمرتهم، فأصبحوا لا يرى إلَّا مساكنهم، وكان فرعون يفتخر بالأنهار التي تجري من تحته، فأهلك بما كان يفتخر به وهو الماء، وهكذا كلما تأملت هلاك القوم المكذبين للرسل وجدت أن عقوبتهم مناسبة تمامًا لذنوبهم.
إذا (انظر كيف) أبلغ من (انظر ماذا كان عاقبتهم)، وجه ذلك أنَّها تدل على شدة الأخذ وعلى مناسبته للذنب، ثم إنك إذا نظرت إلى الكيفية ستنظر إلى العاقبة لكن إذا قيل: انظر إلى عاقبتهم، لم تأمر إلَّا بالنظر إلى عاقبتهم فقط.
وقوله: {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣)} الجملة هنا استفهامية ولكنها في محل نصب مفعول، (انظر)، وهذا النظر بالقلب، والغالب أن النظر بالعين يعدى بـ (إلى) فيقال: نظر إليه، وأن نظر القلب يكون متعديًا بنفسه. {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ

الصفحة 166