كتاب تفسير العثيمين: الصافات

فأهلكهم بالغرق، فغرقوا عن آخرهم. وذكر أن النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قال. "لو كان الله تعالى منجيًا أحدًا من الغرق لأنجى أم الصبي" (¬١).
وأم الصبي امرأة كان معها صبي فلما رأت الماء يتزايد خافت على نفسها من الغرق، فلجأت إلى جبل فارتفع الماء حتَّى وصل إليها، ثم ارتفعت حتَّى وصلها الماء، ثم ارتفعت حتَّى وصلها الماء حتَّى بلغت قمة الجبل فوصلها الماء، فلما رأت الماء قد وصلها وألجمها رفعت الصبي فوق يدها لتغرق قبله، قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فيما يذكر عنه: "لو رحم الله أحدًا لرحم أم الصبي" لأنَّ هذا من أبلغ ما يكون في الرحمة، أن تجعل موتها قبل موته، ترفعه على يديها حتَّى يدركها الغرق قبله. فهؤلاء وغيرهم من الأمم لا ينفعهم الإيمان إذا رأوا البأس، وانظر إلى فرعون لما أدركه الغرق قال الله تعالى: {آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠)}. [يونس: ٩٠] لكن ما نفعه ذلك، قيل له: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ}. [يونس: ٩١] لم يكن أحد من الأمم نفعهم إيمانهم لما رأوا البأس {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (٩٨)}. [يونس: ٩٨] قال أهل العلم: والحكمة من ذلك: أن نبيهم خرج منهم مغاضبًا قبل أن يؤذن له، فلم تحق عليهم الكلمة لعدم تمام الإنذار في حقهم، فلهذا لما آمنوا كشف الله عذاب الخزي في الحياة الدُّنيا ومتعهم إلى حين،
---------------
(¬١) أخرجه الحاكم في المستدرك (٢/ ٣٤٢، ٥٤٧) وقال في الموضعيين: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله: إسناده مظلم، وموسى ليس بذاك. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (٨/ ٢٠٣): رواه الطّبرانيّ في الأوسط، وفيه موسى بن يعقوب الزمعي وثقه ابن معين وغيره، وضعفه ابن المديني، وبقية رجاله ثقات.

الصفحة 176