كتاب تفسير العثيمين: الصافات

فـ (أهل) هنا ليس على عمومه، وإنَّما هو عام مخصوص، لأنَّ العام الذي أريد به الخاص لابد أن يكون معلومًا للمخاطب أنَّه لم يرد به إلَّا الخاص من أول الأمر، فأمَّا الشيء الذي لم يعلم إلَّا بنص آخر فإن هذا يسمى عامًا مخصوصًا.
{مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦)}.
الكرب: ضد السعة، والإنسان المكروب هو الذي أصابه ما يكرب به، ولا شيء أعظم من كرب الموت.
وهذا الكرب الذي أصاب قومه كرب عظيم؛ لأنَّه غرق يموت الإنسان وهو ينظر، وموت الإنسان بمرض يعلم أنَّه لا قدرة له على إزالته، لكن بالغرق يموت وهو يؤمل أن ينجو، ولهذا تجده بكلِّ قواه يحاول النجاة ولكن لا تحصل، فكأنه يموت ويقطعه الموت وهو ينظر إليه، فلهذا صار كربًا عظيمًا؛ لأنَّه بالغرق، ومثله الموت بالحرق بالنار فإن الإنسان يموت بأمر يشعر بنفسه أنَّه يستطيع التخلص منه، ولكن يعجز فيكون وقع الموت عليه أشد، {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (٧٧)} في الآية إشكال إعرابي، وهو أن الباقين منصوبة مع أنَّها بعد {هُمُ} وهم يكون مبتدأ، والمبتدأ خبره مرفوع، وجاءت منصوبة هنا لأن (هم) ضمير فصل، وضمير الفصل ليس له محل من الإعراب، وعلى هذا فتكون الباقين المفعول الثَّاني لجعلنا؛ لأنَّ جعلنا من أفعال التصيير، فهي بمعنى صيرنا وتنصب مفعولين: المفعول الأوَّل ذريته، والمفعول الثَّاني الباقين.

الصفحة 178