كتاب تفسير العثيمين: الصافات

الغيث على الرحمة، ودلالة الجدب على الانتقام ممن عصاه.
١٧ - ومن فوائد قوله تعالى: {فَنَظَرَ نَظرَةً فِي النُّجُومِ} جواز التورية، وهي أن يظهر للمخاطب ما لا يريده، ويفهم منه المخاطب معنىً غير المراد، والتورية قد تكون واجبة، وقد تكون مستحبة، وقد تكون جائزة، وقد تكون مكروهة، وقد تكون محرمة، فتجري فيها الأحكام الخمسة. فإذا توقف على التورية إنقاذ معصوم من هلكة صارت واجبة، مثل أن يأتي شخص ظالم يسأل عن إنسان يريد أن يقتله وأنت تعرف مكان هذا الإنسان فهنا يجب عليك أن توري، لأن في ذلك إنقاذًا للمعصوم من الهلاك، وقد تكون مستحبة كما لو سألك سائل عن عمل صالح عملته تخشى أن تقع في الرياء إن أخبرته به فهنا التورية مستحبة.
وقد تكون مباحة، كما لو ورّيت على شخص يريد منك شيئًا لا تريد أن تعطيه، مثل أن يقول: يا أخي أقرضني مثلًا مئة ألف ريال. وأنت تعرف أن هذا الرجل مماطل لا يفي بالواجب، فهنا تكون التورية مباحة.
وقد تكون مكروهة كما إذا كانت لغير سبب، فالصحيح أنها مكروهة لما يخشى فيه من نسبة الإنسان إلى الكذب؛ لأن الإنسان إذا ورّى ثم ظهر الأمر على خلاف ما فهمه السامع نسبه إلى الكذب، فهذه مكروهة لا يبيحها إِلَّا السبب.
وقد تكون محرمة كما لو تخاصم رجلان إلى القاضي فادّعى أحدهما على الآخر بدعوى، فالمدعي عليه البينة، والمنكر عليه اليمين، فعجز المدعي عن البينة فحلف المدعى

الصفحة 210