كتاب تفسير العثيمين: الصافات

وتعالى-، وإذا نظرت إلى واقع المسلمين اليوم وجدت أنهم متفرقون، فكل عالم لا يأوي إلى عالم ولا يشاوره ولا يأخذ برأيه، بل إنه مع الأسف ربما يضاده في رأيه مع علمه بأنه على حق، لكن يكون فيه شبه من اليهود الذين حسدوا العرب على ما أعطاهم الله -عزَّ وجلَّ- من النبوة العظيمة التي جعلها فيهم، فإن اليهود كانوا يستفتحون على الذين كفروا ويؤملون النصر عليهم باتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - فلما جاء محمد كفروا بمحمد؛ لأنهم يظنون أنه يأتي من بني إسرائيل وأتى من العرب، وهم يظنون هذا تمنيًا وإلا فهم يعرفون النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يعرفون أبناءهم.
٢٩ - ومن فوائد قوله تعالى: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحْتُونَ} الإنكار على أهل الباطل بباطلهم عن طريق العقل، والاحتجاج على أهل الباطل بباطلهم عن طريق العقل، أي كيف تنحتونه أنتم وتصنعونه أنتم، ثم بعد ذلك تعبدونه أليس الأولى من الناحية العقلية أن يكون هذا المنحوت هو الذي يعبدكم، لأنكم أنتم الذين نحتموه وأوجدتموه، ولكن عقولهم منتكسة فصار الأمر بالعكس يعبدون ما ينحتون.
٣٠ - ومن فوائد الآية الكريمة: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} إقامة الدليل على أن الله وحده هو الذي يستحق أن يعبد لقوله: {خلقكم} الخالق هو الذي يجب أن يُعبد.
كيف تعبد من لم يخلقك وتدع من خلقك؟ أو تعبد من لم يخلقك مشركًا له مع من خلقك؟ ولهذا أقام الله البرهان على أنه لا يصح أن يعبد سواه في قوله: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ

الصفحة 215