فاستمرار هؤلاء بتكذيب الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقتضي أن يتعجل لهم العذاب، وهذا استعجال بالفعل، فهؤلاء جمعوا بين الوجهين: الاستعجال بالفعل وبالقول.
{أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦)} (نا) هنا للتعظيم وليست للجمع؛ لأن الله تعالى واحد، وكل ضمير أضافه الله إلى نفسه بصيغة الجمع فالمراد به التعظيم.
{فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧)} {فَإِذَا نَزَلَ} الفاء تعود على العذاب، أي: إذا نزل العذاب بساحتهم، والساحة ساحة القوم أي: فناءهم، وهو ما قرب من بيوتهم وأرضهم، وهذا يعبر عنه بالتهديد والوعيد، فيقال: نزل العدو بساحتهم، كما في الحديث الصحيح في قصة خيبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أقبل عليهم جعلوا يركضون إلى مخابئهم يقولون: جاء محمد والخميس، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين" (¬١). فهنا يقول الله -عز وجل-: {فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ} أي: حل العذاب بهم، وبساحتهم أي بفنائهم، وهذه الكلمة يقولها العرب للتهديد، قال المؤلف -رحمه الله-[قال الفراء: العرب تكتفي بذكر الساحة عن القوم]، (الفراء أحد علماء اللغة العربية وهو حجة فيما يقول).
فكأنه يقول: تقدير الآية: فإذا نزل بهم، ولكن لا حاجة إلى أن نقول هذا القول؛ لأنه من المعروف أن العدو إذا نزل في القوم
---------------
(¬١) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب ما يحقن بالأذان من الدماء (٦١٠) ومسلم، في كتاب الجهاد والسير، باب غزوة خيبر (١٣٦٥) (١٢٠).