نشأ في بلد بعيد يعبد هذا القبر، ولا يدري أنه كفر، فإنه لا يرمى بالكفر؛ لأنه مسلم ارتكب هذا خطأ ولم يتعمد بقلبه، فليس عليه شيء، كما أن من ارتكب محظورًا: شركًا فما دونه متأولًا، ولم يجد من يفتح عليه، فإنه لا يكون كافرًا؛ لأنه لابد من القصد، ومما ورد الرجل الذي ضاعت ناقته في فلاة من الأرض، وطلبها ولم يجدها، وأيس منها، واضطجع في ظل شجرة ينتظر الموت، فبينما هو كذلك إذا بخطام ناقته متعلقًا بالشجرة، فأخذ بخطامها وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك (¬١)، فجعل نفسه ربًّا، وجعل رب العالمين عبدًا، وهذه كلمة كفر، ولا شك في هذا، لكن هذا الرجل أخطأ من شدة الفرح، ولم يقصد الكلام، فلم يكن كافرًا لعدم قصده الكفر، وكذلك الرجل الذي كان مسرفًا على نفسه وقال لأهله: إذا مت فأحرقوني وذروني في اليم، ظنًّا منه أنه إذا فعل ذلك نجا من عذاب الله، ولكن الله قال له كن: فكان، فاجتمع فسأله -عز وجل-: لم فعلت هذا؟ قال: خوفًا من عذابك يا رب. قال له: خوفك من عذابي أنجاك من عذابي (¬٢)، فأنجاه الله من العذاب، مع أن هذا كان شاكًّا في قدرة الله، لكن ليس عن قصد بل متأولًا، فلم يكن كافرًا، ومثل هذه المسائل لا يجوز الإنسان أن يتسرع فيها. -أعني مسألة التكفير والتفسيق أيضًا-، لأن بعض الأخوة يسارع في التكفير، ويلاحظ المقالة دون القائل، ويلاحظ الفعل دون الفاعل. فإذا كان هذا القول كفرًا، قال: من قال به فهو
---------------
(¬١) أخرجه مسلم، كتاب التوبة، باب في الحض على التوبة والفرح بها (٢٧٤٧).
(¬٢) أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل (٣٤٥٢).