كتاب تفسير العثيمين: الصافات

يقولون: {أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧)} يعني أو يبعث أيضًا آباؤنا الأولون، وهذا لقوة إنكارهم؛ لأنهم كما قال الله عنهم في سورة الجاثية: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٥)} [الجاثية: ٢٥] وهل الذين قالوا إنكم تبعثون قالوا إن البعث يكون في الدنيا حتى تقولوا ائتوا بآبائنا؟ نعم لو قالت الرسل: إنكم يبعثون في الدنيا، أو إن آباءكم يبعثون في الدنيا صح أن يقولوا ائتوا بآبائنا، لكن الرسل يقولون: إن البعث لهم ولآبائهم يكون يوم القيامة، فهذه الشبهة التي أوردوها لا تزيدهم إلا سفهًا إلى سفههم، حجتهم التي ادعوها قالوا: إنكم تقولون إن آباءنا يبعثون هاتوهم ابعثوهم، وهذه ليست حجة؛ لأن الرسل ما قالوا إن آباءكم يبعثون الآن في الدنيا حتى تتحدوا بقولكم ائتوا بآبائنا، إنما قالوا يبعثون يوم القيامة.
{قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠)} [الواقعة: ٤٩ - ٥٠] فهم يقولون: {أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧)} ليتوصلوا إلى الحجة الداحضة، فيقول الناس: إن هؤلاء يقولون: إن الناس يبعثون نحن وآباؤنا دعوهم يأتوا بآبائنا، والجواب على هذه الشبهة واضح جدًا، وهو أن الرسل لم يقولوا: إن آباءهم يبعثون الآن، وإنما يكون البعث يوم القيامة، وحينئذ تبطل حجتهم وينادون على أنفسهم بالسفه والعدوان، فإنهم ألزموا الرسل ما لم يلتزموه وما لم يقولوه.
٣ - من فوائدها: أن الجَدَّ يسمى أبًا لأنهم قالوا: {أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧)} وآباؤهم الأولون أجداد سابقون، فالجد يسمى أبًا،

الصفحة 47